أخيراً قرر قتل نفسه
في سواد الكون وظلمته.. المكان خالٍ فيمن حوله لا حراك ولا ضجيج.. فقد عم المكان كله السكون والهدوء..
جلس ذلك الشاب ابن العشرين خريفاً يفكر في حاله وما مضى من عمره وكانت نفسه تتحشرج في صدره هماً وغماً فضاقت الدنيا حوله وعلته الكآبة والسآمة، وأخذ يسرد شريط حياته الماضية فهو لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها...
أخذ يفكر في تغير حياته ولكن بالقضاء عليها بزعمه حتى يجد اللذة والراحة، أو ليقطع أنفاسه التي تتحشرج في صدره، فقد بلغ به الهم والنكد ما بلغ..
لم يكن لديه إيمان يردعه ولا أخ صادق ناصح يوجهه..
أخيراً قرر قراراً بعد تفكير طويل.. قرر أن ينهي حياته.. يا لله حياته التي بين جنبيه كيف تجرأ على ذلك..
أنا أكاد أجزم أنه لم يفكر في هذه النفس التي أودعها الله بين جنبيه كيف يقتلها؟؟ لم يفكر في عظم هذه النفس عند الله جل سبحانه؟؟...
أخذ حبلاً وربطه في أعلى السقف! وقبل التنفيذ إذا بصوت غريبٍ كأنه يسمعه لأول مرة صوت يشقق ظلام الليل الرهيب ويقطع السكون والوحشة إنه صوت الأذان... الله أكبر الله أكبر... أشهد أن لا إله إلا الله..
توقف عن فعلته بعد أن استيقظ من سكرته أخذ يردد صوت الأذان... ذهب وتوضأ ثم خرج مع جموع المصلين...
تقدم أحدهم وصلى بهم وكان مما قرأ (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))[الزمر:53] .
أخذ يجهش بالبكاء والدموع تنهال من عينيه فهو منذ زمن لم يركع ولم يسجد لله.. لم يضع جبهته تقرباً لله .... ارتاحت نفسه وشعر بعدها بالسعادة والأنس كأنما نشطت نفسه من عقال...
يالله ما أجمل العيش مع الله والأنس به... صلحت حاله وتبدلت، وغير قرناءه وخلانه.. غير كل ما يذكره بالماضي المؤلم... وأطلقها كلمة مدوية إلى كل العالم والأكوان: والله لو منحتموني الدنيا بكنوزها وما فيها على أن تسلبوني ما أنا فيه من راحة وسكون لما قبلت!!
وقفة: يا من لازلت مستمراً على الذنب والعصيان توقف والحق بركب التائبين لتفوز بجنة رب العالمين.
حيدر الحكمي