الشيخ / أحمد الطويل / 01-08-1429 هـ
التجويد العلمي وحكمه: وفيه ثلاثة مقاصد:
المقصد الأول: معنى التجويد العلمي(النظري):
هو معرفة القواعد والأحكام التي وضعها علماء القراءة للتجويد, في عصر لاحق لعصر النبوة, حيث فشا اللحن, وبدأ عصر التأليف في سائر العلوم ( 1 ) , وذلك مثل: الإدغام والإظهار, والمد والقصر, والتفخيم والترقيق, وما إلى ذلك.
وهذه المصطلحات هي مقتضى التلاوة التي نزل بها الوحي, موافقة للهجات العرب, تيسيراً عليهم.
المقصد الثاني: سبب وضع قواعد التجويد:
كان الصحابة ينطقون القرآن مجوداً دون الحاجة إلى تقعيد, ونقله عنهم التابعون ومن بعدهم حتى وصل إلينا, ولم يكن بين السلف نزاع في حكم التلاوة المجودة, بل كانت همتهم منصرفة إلى العمل به بإقامة حروفه, وتطبيق حدوده, ولما اختلط اللسان العربي بغيره, فشا اللحن, وانتشرت العامية, وطغت على الفصحى( 2 ) ، وأصبح استمرار التلاوة الصحيحة مع ما طرأ على اللسان العربي من تغيير, يحتاج إلى ضوابط ليظل النطق صحيحاً؛ فدونت قواعد التجويد المعروفة في العصر الذي بدأ فيه تدوين العلوم, كقواعد اللغة العربية والبلاغة وسائر المعارف والفنون, وانبرى علماء كل فن لوضع قواعد وضوابط تحافظ عليه, فاعتنى أئمة القراءة بوضع قواعد تحفظ الأداء العملي للقرآن الكريم, كما تواتر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون تحريف لطريقة تلاوته الملازمة لألفاظه, وقارئ القرآن أفصح من ينطق بالحروف, ويحافظ على اللغة بسبب هذه القواعد والضوابط.
ولابد لتطبيق هذه القواعد من: رياضة اللسان, وكثرة التدريب في بداية الأمر حتى يتروض اللسان على صحة الأداء, ثم يكون له سجية وسليقة فيما بعد دون صرف الهمة إلى تطبيق القاعدة.
وقراءة القرآن بهذه الصفة تساعد على فهم المعنى وتدبره, وتحفز إلى العمل بما في القرآن من إقامةحدوده, وتطبيق حلاله وحرامه.
المقصد الثالث: حكم التجويد العلمي(النظري):
معرفة قواعد التجويد وأحكامه فرض كفاية على الأمة إذا قام به بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقين, إلا إذا لم يتأت التجويد العملي إلا بالتجويد العلمي فإنه يأخذ حكمه, فما لا يتم الواجب إلابه فهو واجب, ويتأكد ذلك بالنسبة لخاصة الناس من طلبة العلم الشرعي, والقراء, والفقهاء, والأئمة, ومدرسي القرآن, والتفسير, والعلوم الشرعية كشأن سائر العلوم النافعة, فالعلم بقواعد التجويد فرض كفاية, والعمل به فرض عين في الجملة.
وعلى العامة من المسلمين بذل الجهد لمعرفة النطق الصحيح للقرآن عن طريق المشافهة والتلقين, ومع محاولة التعليم فالقارئ إن تعتع في قراءته تعبداً مأجور على كل حال, ولا يعفى من طلب العلم.
وقراءة القرآن عبادة, والعبادة عمل, لابد فيها من توافر ركنين لقبولها كما هو مقرر شرعاً:
الركن الأول: هو الإخلاص.
الركن الثاني: هو المتابعة والموافقة لما جاء به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ, وهذه الموافقة هي قراءة بالكيفية التي نزل بها الوحي, والتي نقلها أئمة القراءة ووصلت إلينا عن طريق التواتر من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ, ولا سبيل لمعرفة هذه الكيفية إلا بمعرفة الضوابط, وهي قواعد التجويد التي وضعت في عصر لاحق لعصر النبوة, والمطلوب هو: قراءة القرآن قراءة صحيحة؛ سواء أمكن ذلك بدون معرفة قواعد التجويد, أم توقف عليها .
(1) والأمثلة على ذلك كثيرة, فبلاد العرب تربو على العشرين في وقتنا, وبينها تفاوت كبير في اختلاف الحروف والحركات. ومن أمثلة ذلك في العصر الحاضر: نطق عوام أهل السودان للقاف غيناً, وأهل القاهرة واليمن وسورية ينطقونها همزة, وأهل الكويت ينطقون الجيم ياءً, وأهل القاهرة ينطقونها كالقاف العامية, وبعض الناس ينطق الطاء دالاً, والدال تاءً, والضاد دالاً, والثاء سيناً, والذال زاياً, وكذا اختلاف الألفاظ وترادف المعاني, وغير ذلك.
( 2 ) أول من كتب قصيدة في علم التجويد: أبو مزاحم الخاقاني, المتوفى سنة 325ه وكتب الخليل ابن أحمد في ألقاب الحروف والمخارج والصفات وعلم الأصوات, وممن كتب في القراءات, ومنها التجويد: أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224ه.