هل تعلم أن مخترع المكنسة الكهربية و هو "جيمس ديسون" فشل 5126 مرة قبل أن يصل إلى اختراعه بعد محاولات استمرت 15 سنة ... هل كان هذا الرجل ناقص الذكاء حتى يفشل كل هذا الكم من المرات؟ أم كانت المهمة في حد ذاتها صعبة حتى تمر بكل هذه المحاولات الفاشلة ؟ محتمل أي من الاحتمالين ، و لكن المؤكد أن ديسون تمسك بنظرينه عن الفشل و أنه يتعلم من كل مرة يحاول فيها ، حتى يصل إلى اختراعه.
قد يبدو هذا المثل غريبا جدا في ثقافتنا ، و لكنه جزء لا يتجزأ من ثقافة مجتمعات أخرى نجحت و صنعت الحضارة المادية الحديثة التي نراها الآن. و البديهي أن هذا مبدأ المحاولة و تقبل الفشل هو مبدأ عربي و إسلامي أصيل ، ففي إحدى الروايات أن المسلمين حاولوا على مدى تاريخهم 16 مرة لفتح القسطنطينية و فشلوا في جميع المحاولات حتى فتحها محمد الفاتح ، و يقال أن من أسباب فتح الأندلس هو رغبة المسلمين في فتح القسطنطينية عن طريق الغرب بعدما استعصت عليهم من طريق الشرق !!! يعني نفتح أسبانيا و فرنسا و ألمانيا و إيطاليا و اليونان و الصرب علشان نصل إلى تركيا ثم القسطنطينية !!! هل يتذكر أحدكم عباس ابن فرناس الذي كاد يدفع حياته ثمنا لمحاولة فاشلة في الطيران و خلدته كل كتب التاريخ التي تتحدث عن تاريخ الطيران.
لماذا لا نحاول ؟؟ و لماذا لا نجرب ؟؟ و لماذا تستسلم لعملك الروتيني و أنت تعتقد أنك يمكن أن تكون أفضل من ذلك ؟؟ و لماذا لا تأخذ مخاطرة لتحقيق حلم من أحلام حياتك ؟؟؟ و لماذا تستسلم لواقع بلدك المرير ولا تطبق فكرة للتغيير حتى لو ظننت أنها ممكنة؟ عارف ليه ؟؟؟؟ لأننا جميعا نخاف من كلمة الفشل ، و نخاف من المخاطرة ، و نخاف من أن يرانا الناس فاشلون ، نحن تربينا على ثقافة (حديثة) تعتبر الفشل عيباً ، و لا تتوقع النجاح من فاشل ، و هذا من أخطر مشاكل العقل العربي بصفة عامة الذي لا يحب المغامرة و لا المخاطرة خوفا من الفشل.
عندنا في العالم العربي نأخذ أطول فترة طفولة ممكنة ( علشان الواد لسه عضمه طري و مايتبهدلش) و يفضل الولد كده حتى يتزوج ، وحتى بعد ما يتزوج يظل الدعم اللوجستي من الأم و الحماة قائما، و يظل الإبن صعب جدا يأخذ قرار مصيري في حياته دون أن يؤمن موافقة و دعم الأهل ، و لو عمل غير كده يبقى ولد فالت و بيتصرف من دماغه ، و مالوش كبير.
الفشل عندنا هو بعبع ، مع أنني أرى أن الفشل صحي جدا لأي شخص ، لقد تعلمت من فشلي في بعض المشاريع في العمل أكثر بكثير من تعلمي من النجاح ، نعم الفشل مر ، و مكلف ، و ضريبته كبيرة ، و لذلك هو مفيد و من يتعلم من فشله لا يمكن أن يكرر خطؤه ، شوف القول المأثور الذي يقول ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) يعني المؤمن ممكن يُلدغ ؟؟ أيوة ممكن ، و كذا مرة كمان ، و لكن ليس من نفس الجحر.
في سجالاتي و نقاشاتي المستمرة مع الوالد الكريم كانت هذه من أهم النقاط الأساسية في خلافنا: كان يقول لي بالنص: " أنا أعطيك خبرة سنين جاهزة بين ايديك و أنت لا تستفيد بها و تجرب المتجرب كذا مرة لماذا لا تأخذ هذه الخبرة و تطبقها و تضيف إلى عمرك سنوات ؟" و كان من رأيي أن الإنسان يجب أن يجرب حتى يكون تجربته الخاصة حتى و لو فشل في البداية ، و في الغالب يتضح لي أن نصائح الوالد في العمل صحيحة بنسبة 90% و لكن تعلمي من أخطائي يبقى أعمق أثرا و أثبت ، و أكثر تكلفة أيضاً
حتى أن الفشل ليس عيبا حتى في علاقتك الخاصة مع الله عز وجل ، تأمل الحديث الشريف : " لو لم تذنبوا فتستغفروا لذهب الله بكم و أتى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم".
هل تعرف ما هو الفرق بين الأهلي و الزمالك ، الأهلي فريق يلعب ليفوز ، و الزمالك يلعب وهو خائف من أن يخسر ، و لذلك حصد الأهلي البطولات و اتوكس الزمالك الوكسة اللي احنا شايفينها.
و الفشل ليس معناه الإخفاق فقط ، و لكن معناه درس في الطرق غير السليمة لإنجاز الأمر :قديما قال توماس أديسون، المخترع الأمريكي العظيم: " أنا لم أفشل في مائة تجربة ، بل اكتشفت مائة طريقة لا تعمل"...و هناك طريقة معتمدة مشهورة جدا في البحث العلمي اسمها طريقة التجربة و الخطأ
Trial and error
و هذه ليست دعوة لأن تفشل ، هذه دعوة لأن تجرب دون الخوف من الفشل و ألا تجعل هذا الخوف يقيدك عن تحقيق أحلامك و طموحاتك
الخلاصة يا معلم .. لا تستسلم لخوفك من الفشل ، اغلط و لا يهمك ، خد نفس عميق ، و خذ بالأسباب قدر الإمكان ، و توكل على الله تعالى ، و جرب ، و حاول حتى لو فشلت مائة مرة ، المهم أن تعرف إلى أين أنت ذاهب و لا تستسلم حتى تصل إلى وجهتك
و قديما قال الشاعر
و من يتهيب صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحفر